تقرير للدكتور مروان شحادة بعنوان..تقدير موقف: الهجمة على الهيئة الخيرية الأردنية الهاشميةتشويه ممنهج أم قراءة مجتزأة للعمل الإنساني؟

تقدير موقف: الهجمة على الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية
تشويه ممنهج أم قراءة مجتزأة للعمل الإنساني؟
تقدير موقف: الهجمة على الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية
تشويه ممنهج أم قراءة مجتزأة للعمل الإنساني؟
ناطق نيوز- إعداد: د. مروان شحادة
في الآونة الأخيرة، نشر موقع عين الشرق الأوسط (Middle East Eye) تقريرًا صحفيًا سلّط الضوء على الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، متضمنًا اتهامات مبطّنة حول طريقة إدارتها للمساعدات الإغاثية، وتلميحات إلى شبهات فساد أو سوء توزيع، وقد أثارت هذه التغطية الإعلامية ردود فعل متباينة، خاصة في ظل السياق الإقليمي والدولي الذي يتسم بحساسية مفرطة تجاه العمل الإنساني، وبخاصة المنظمات ذات الجذور الإسلامية أو التي تعمل في بيئات تخضع لرقابة أمنية مشددة.
إنّ تسليط الضوء على النفقات الإدارية للهيئة الخيرية الهاشمية دون الإشارة إلى المعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال، يُعد قراءة ناقصة بل ومُضلّلة لطبيعة عمل المنظمات الإنسانية، التي تعتمد بالضرورة على منظومة دعم لوجستي وإداري يضمن استمرارية العمليات، وسلامة التوريد، والمطابقة مع المعايير المحاسبية والشفافية المعتمدة.
حقائق أساسية يجب توضيحها:
- المصاريف الإدارية واللوجستية:
تعتمد غالبية المنظمات الإنسانية الدولية، مثل الصليب الأحمر، برنامج الغذاء العالمي، وأوكسفام، على اقتطاع نسبة تتراوح بين 6% إلى 10% من قيمة التبرعات النقدية والعينية لتغطية المصاريف التشغيلية، بما يشمل النقل، التخزين، التوزيع، الأجور، والرقابة المحاسبية، ولا بد من الإشارة إلى أن نسبة المصاريف الإدارية لبعض المنظمات الإنسانية الدولية تصل إلى أكثر من 50% من قيمة نشاطاتها.
والهيئة الخيرية الهاشمية لا تخرج عن هذا الإطار، بل تعمل ضمن أنظمة رقابية صارمة محليًا ودوليًا، وتتبع بروتوكولات العمل المشترك مع منظمات أممية مرموقة. - التحولات في بيئة العمل الإنساني بعد 11 سبتمبر:
بعد إعلان الولايات المتحدة استراتيجية “الحرب على الإرهاب” عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، تعرضت مئات المنظمات الإغاثية الإسلامية لحملات تجفيف التمويل، وتقييد الحركة، بل وشيطنة العمل الخيري الإسلامي تحت ذرائع أمنية، وتم إغلاق معظمهما، وقد انعكس ذلك في فرض قوانين وتشريعات صارمة، وضغوط سياسية دولية على الدول العربية والإسلامية، مما دفعها إلى إعادة هيكلة العمل الخيري والإغاثي عبر تأسيس هيئات رسمية أو شبه رسمية، تعمل كمنظمات غير حكومية، لكنها خاضعة بالكامل للرقابة الأمنية والإدارية. - الهيئة الخيرية الهاشمية نموذجًا:
تأسست الهيئة كمبادرة ملكية إنسانية عام 1990، وتعمل تحت إشراف الحكومة الأردنية وبشراكة مع منظمات دولية، وتمثل حلقة وصل فاعلة بين التبرعات الدولية والاحتياجات الإنسانية في الداخل الأردني وفي الأزمات الإقليمية (مثل سوريا، فلسطين، غزة).
وتحظى الهيئة بتصاريح أمنية دقيقة، وتخضع حساباتها لرقابة ديوان المحاسبة، وتُشرف على توزيع المساعدات بالتنسيق مع الجهات المعنية، بما في ذلك الوزارات المختصة والأجهزة الأمنية، وبرز دورها الريادي في العمل الإنساني عقب الإعلان عن استراتيجية “الحرب على الإرهاب”، حيث غطت الفجوة التي حصلت بسبب إغلاق العديد من المنظمات الإنسانية العربية والإسلامية العاملة في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة واستجابة للمتطلبات والحاجات الإنسانية المستمرة والعاجلة.
أهداف سياسية وإعلامية ممنهجة:
ما ورد في التقرير المشار إليه، لا يمكن فصله عن اتجاه إقليمي ودولي لتقييد استقلالية العمل الإنساني في المنطقة، والتي يتزعمها الكيان الصهيوني، في ظل ما أعلن عنه من خطة توزيع المساعدات على قطاع غزة ضمن مؤسسات إنسانية في ظاهرها وأمنية محظة في باطنها، خاصة في ظل تصاعد الأزمات في غزة ولبنان واليمن. وتُعدّ الهجمات الإعلامية أحد أدوات هذا الضغط، عبر تأليب الرأي العام ضد مؤسسات الدولة التي تدير العمل الإنساني، أو عبر التشكيك بشرعية التبرعات ووجهتها، بما يخدم مصالح سياسية وأمنية لبعض الأطراف الدولية أو الإقليمية.
لا شك أن استهداف المؤسسات الإغاثية الإنسانية يساهم في التضييق عليها للدور الكبير الذي تقوم به، وهو يأتي في سياق الحملات السياسية والإعلامية التي يمارسها العدو الصهيوني وللتغطية على الإبادة الجماعية التي يرتكبها في قطاع غزة، ضارباً بعرض الحائط كل المعايير الإنسانية والقانونية، وسط صمت العالم عن تلك الانتهاكات التي خرقت كل المواثيق والمعايير الإنسانية الدولية، وأسقطت مقولات القانون الدولي الإنساني.
خلاصة وتوصيات:
• يجب التنبه إلى أن استهداف الهيئة الخيرية الهاشمية لا يتم بمعزل عن استهداف مؤسسات الإغاثة الإسلامية، خاصة تلك التي ما تزال تحافظ على الحد الأدنى من المهنية والاستقلال النسبي.
• المطلوب من الإعلام المحلي والدولي أن يُراعي السياق الهيكلي والتشغيلي لهذه المؤسسات، بدلاً من شيطنتها بناءً على نسب إدارية متعارف عليها دوليًا.
• من المهم أن تُبادر الهيئة إلى نشر تقارير شفافة ومفصلة سنويًا حول مواردها وإنفاقها، بالتنسيق مع الشركاء الدوليين، لتعزيز الثقة وقطع الطريق على الحملات المُسيّسة.
• توصي الورقة بدعم استقلالية العمل الإنساني في الأردن والمنطقة، بعيدًا عن الابتزاز الإعلامي أو السياسي، وبالعودة إلى المعايير المهنية بدل المعايير الدعائية.
• كشفت الانتهاكات المتواصلة التي تقوم بها الحكومة والجيش الصهيوني، بأنها الأكثر وحشية في تعاملها مع الآخر، بحيث تعتبر الآخر لا ينتمي للإنسانية أو البشر، دون اعتبار للقيم والأخلاق والدين، والمواثيق والقوانين الإنسانية الدولية.