جامعة المغطس الأرثوذكسيّة الدولية: حُلم أردني برسالة عالمية؛
جامعة المغطس الأرثوذكسيّة الدولية: حُلم أردني برسالة عالمية؛
ناطق نيوز- كتب عيسى يوسف حدّاد.
في خطوةٍ تحملُ دلالاتٍ عميقة عن رؤية الأردن كمنارةٍ ونموذجاً حيًّا للعيش المُشترك والتعددية الدينية والثقافية، أعلن جلالة الملك عبد الله الثاني عن منحة ملكية لتأسيس جامعة أرثوذكسية دولية في موقع معمودية السيد المسيح (المغطس)، خلال لقائه بممثلي الطوائف المسيحية ومُعايدتهم بمناسبة عيد الميلاد المجيد. هذه المُبادرة الملكية تأتي لتؤكد أن الأردن، وسط منطقةً تُمزّقها الصراعات والانقسامات، هو نموذج يحتذى به في التآخي والعيش المشترك.
اختيار موقع المغطس، الذي يُعد من أقدس المواقع المسيحية عالميًا والمُدرج على قائمة التراث العالمي، لتأسيس هذه الجامعة يحملٍ رمزيةً روحيةً وحضارية عميقة. فالمغطس ليس مُجرَّد مكان تاريخي، بل رمزًا عالميًا للإيمان، يُعزِّزُ مكانةَ الأردن كراعيةٍ للإرثِ الإنساني وموقعًا يحتضنُ التنوعَ الثقافي والديني.
الجامعة الأرثوذكسيّة الدولية المرتقبة ليست مجرَّد مؤسسة تعليمية، بل مشروع حضاري سيجمع طلابًا وباحثين من شتى بِقاع الأرض. برامجها الأكاديمية التي تشمل اللاهوت، وربما التاريخ، والفكر الإنساني والعلوم المختلفة، ستوفرُ منصةً لتعزيزِ الحوار بين الثقافات والأديان، مما يجعلها مركزًا عالميًا للتلاقي والتفاهم، في زمنٍ باتت فيه هذه القيم ضرورة عالمية.
فالمبادرة الملكية تأتي لتؤكد مُجددًا أن الأردن ليسَ فقط موطنًا للتنوع الديني، بل هو قصةُ نجاحٍ حقيقية في تحويلِ هذا التنوع إلى مصدر قوة. فالمسيحيون في الأردن، الذين يُشكلونَ جزءًا أصيلًا من نسيج المجتمع، ليسوا مُجرَّد أقلية، بل هُم ركنٌ أساسي من الهويةِ الوطنية، وشركاءَ حيقيقين في بناءِ الدولة والحفاظ على قيمها الحضارية.
في الوقت الذي تواجه فيه المنطقة تحدياتٍ مُتزايدة من نزاعاتٍ دينية وطائفية، يَبرزُ الأردن كنموذجٍ فريد في التسامح واحترام الآخر. وبالتالي فإنَّ تأسيس الجامعة الأرثوذكسيّة الدولية في موقع المغطس يُمثلُ رسالةَ أملٍ إلى العالم بأنَّ التعايش ليس حُلمًا مستحيلًا، بل واقعٌ يُمكن تحقيقه بالإرادة والرؤية والقيادة الحكيمة.
جلالة الملك عبد الله الثاني، ومن خلالِ هذه المبادرة، يواصلُ تعزيزَ دورٍ الأردن كحاضنةٍ لقيمِ السلام والعيش المشترك، ويُعيد تأكيد التزام القيادة الأردنية بالمبادئ الإنسانية العالمية. ودعم جلالته من نفقته الخاصّة تأسيس الجامعة هو تجسيدٌ حي لرؤية الأردن في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، وترسيخ دورهِ كمنارةِ أمل في منطقة مليئة بالتحديات والحروبِ والانقسامات.
إن هذه الخطوة ليست مجرَّد مشروع محلي، بل رسالةً عالمية بأنَّ الأردن، رُغم محدودية موارده، يمتلكُ إرادةً قوية وموقعًا فريدًا يجعلهُ نموذجًا يُحتذى به في العالم العربي والعالم أجمع. وإنها دعوة مفتوحة للعالم لتعلُّم دروس العيش المشترك من الأردن، الذي أثبت أن التعددية ليست ضعفًا، بل قوة تبني الأوطان وتعزز السلام.
بهذه المبادرة، يكتب الأردن فصلًا جديدًا في تاريخه كأرض للتسامح والتعددية، ويرسل رسالة إلى العالم بأن الشرق الأوسط ليس فقط ساحة صراعات، بل موطنًا للحضارة والسلام والتعايش.
ميلاد مجيد ومواسم مُباركة وكُلَّ عامٍ وأنتم بألفِ خير.